سورة الأحزاب - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}
يعني كان شرع من تقدمه كذلك، كان يتزوج الأنبياء بنسوة كثيرة أبكار ومطلقات الغير {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} أي كل شيء بقضاء وقدر والقدر التقدير وبين المفعول والمقدور فرق مقول بين القضاء والقدر، فالقضاء ما كان مقصوداً في الأصل والقدر ما يكون تابعاً له، مثاله من كان يقصد مدينة فنزل بطريق تلك المدينة بخان أو قرية يصح منه في العرف أن يقول في جواب من يقول لم جئت إلى هذه القرية؟ إني ما جئت إلى هذه وإنما قصدت المدينة الفلانية وهذه وقعت في طريقي وإن كان قد جاءها ودخلها وإذا عرفت هذا فإن الخير كله بقضاء وما في العالم من الضرر بقدر، فالله تعالى خلق المكلف بحيث يشتهي ويغضب، ليكون اجتهاده في تغليب العقل والدين عليهما مثاباً عليه بأبلغ وجه فأفضى ذلك في البعض إلى أن زنى وقتل فالله لم يخلقهما فيه مقصوداً منه القتل والزنا وإن كان ذلك بقدر الله إذا علمت هذا ففي قوله تعالى أولا {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً} وقوله ثانياً {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} لطيفة وهي أنه تعالى لما قال: {زوجناكها} قال: {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً} أي تزويجنا زينب إياك كان مقصوداً متبوعاً مقضياً مراعى، ولما قال: {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ} إشارة إلى قصة داود عليه السلام حيث افتتن بامرأة أوريا قال: {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} أي كان ذلك حكماً تبعياً، فلو قال قائل هذا قول المعتزلة بالتوليد والفلاسفة بوجوب كون الأشياء على وجوه مثل كون النار تحرق حيث قالوا الله تعالى أراد أن يخلق ما ينضج الأشياء وهو لا يكون إلا محرقاً بالطبع فخلق النار للنفع فوقع اتفاق أسباب أوجبت احتراق دار زيد أو دار عمرو، فنقول معاذ الله أن نقول بأن الله غير مختار في أفعاله أو يقع شيء لا باختياره، ولكن أهل السنة يقولون أجرى الله عادته بكذا أي وله أن يخلق النار بحيث عند حاجة إنضاج اللحم تنضج وعند مساس ثوب العجوز لا تحرق، ألا ترى أنها لم تحرق إبراهيم عليه السلام مع قوتها وكثرتها لكن خلقها على غير ذلك الوجه بمحض إرادته أو لحكمة خفية ولا يسأل عما يفعل، فنقول ما كان في مجرى عادته تعالى على وجه تدركه العقول البشرية نقول بقضاء، وما يكون على وجه يقع لعقل قاصر أن يقول لم كان ولماذا لم يكن على خلافه نقول بقدر.


{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)}
يعني كانوا هم أيضاً مثلك رسلا، ثم ذكره بحالهم أنهم جردوا الخشية ووحدوها بقوله: {وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} فصار كقوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] وقوله: {وكفى بالله حَسِيباً} أي محاسباً فلا تخش غيره أو محسوباً فلا تلتفت إلى غيره ولا تجعله في حسابك.


{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)}
لما بين الله ما في تزوج النبي عليه السلام بزينب من الفوائد بين أنه كان خالياً من وجوه المفاسد، وذلك لأن ما كان يتوهم من المفسدة كان منحصراً في التزوج بزوجة الابن فإنه غير جائز فقال الله تعالى إن زيداً لم يكن ابناً له لا بل أحد الرجال لم يكن ابن محمد، فإن قائل النبي كان أبا أحد من الرجال لأن الرجل اسم الذكر من أولاد آدم قال تعالى: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالاً وَنِسَاء} [النساء: 176] والصبي داخل فيه، فنقول الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الرجل في الاستعمال يدخل في مفهومه الكبر والبلوغ ولم يكن للنبي عليه السلام ابن كبير يقال إنه رجل والثاني: هو أنه تعالى قال: {مّن رّجَالِكُمْ} ووقت الخطاب لم يكن له ولد ذكر، ثم إنه تعالى لما نفى كونه أباً عقبه بما يدل على ثبوت ما هو في حكم الأبوة من بعض الوجوه فقال: {ولكن رَّسُولَ الله} فإن رسول الله كالأب للأمة في الشفقة من جانبه، وفي التعظيم من طرفهم بل أقوى فإن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأب ليس كذلك، ثم بين ما يفيد زيادة الشفقة من جانبه والتعظيم من جهتهم بقوله: {وَخَاتَمَ النبيين} وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي إن ترك شيئاً من النصيحة والبيان يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم وأجدى، إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحد وقوله: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيْء عَلِيماً} يعني علمه بكل شيء دخل فيه أن لا نبي بعده فعلم أن من الحكمة إكمال شرع محمد صلى الله عليه وسلم بتزوجه بزوجة دعيه تكميلاً للشرع وذلك من حيث إن قول النبي صلى الله عليه وسلم يفيد شرعاً لكن إذا امتنع هو عنه يبقى في بعض النفوس نفرة، ألا ترى أنه ذكر بقوله ما فهم منه حل أكل الضب ثم لما لم يأكله بقي في النفوس شيء ولما أكل لحم الجمل طاب أكله مع أنه في بعض الملل لا يؤكل وكذلك الأرنب.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13